النبوة و الدعوة
17/7/2020, 3:00 pm
■ مقدمات النبوة و تباشير السعادة :-
و بما تقدم ذكره اتسعت الشقة الفكرية و العلمية بين النبى صلى الله عليه وسلم و بين قومه ، وطفق يقلق مما يراهم عليه من الشقاوة و الفساد ، ويرغب فى الإعتزال عنهم و الخلوة بنفسه مع تفكيره فى سبيل ينجيهم من التعاسة و البوار.
و اشتد هذا اقلق ، وقويت هذه الرغبة مع تقدم السن حتى كأن حادياً يحدوه إلى الخلوة و الانقطاع ، فأخذ يخلو بغار حراء ، يتعبد لله فيه على بقايا دين إبراهيم عليه السلام وذلك من كل سنة شهراً . وهو شهر رمضان ، فإذا قضى جواره بتمام هذا الشهر انصرف إلى مكة صباحاً ، فيطوف بالبيت ، ثم يعود إلى داره ، وقد تكرر ذلك منه صلى الله عليه وسلم ثلاث سنوات .
فلما تكامل له أربعون سنة - وهى سن الكمال ، ولها بعثت الرسل غالباً - بدأت طلائع النبوة و تباشير السعادة فى الظهور ، فكان يرى رؤيا صالحة تقع كما يرى ، وكان يرى الضوء و يسمع الصوت وقال : 《 إنى لأعرف حجراً بمكة كان يسلم على قبل أن أبعث 》 .
■ بداية النبوة و نزول الوحى :-
فلما كان فى رمضان من السنة الحادية و الأربعين وهو معتكف بغار حراء ، يذكر الله و يعبده ، فجأه جبريل عليه السلام بالنبوة والوحى ، و لنستمع إلى عائشة رضي الله عنها تروى لنا هذه القصة بتفاصيلها ، قالت عائشة رضي الله عنها: -
☆ أول ما بُدئ به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحى الرؤيا الصالحة فى النوم ، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح ، ثم حبب إليه الخلاء ، وكان يخلو بغار حراء فيتحنث - أى يتعبد - فيه الليالي ذواة العدد قبل أن ينزع إلى أهله ، ويتزود لذلك ، ثم يرجع إلى خديجة ، فيتزود لمثلها حتى جاءه الحق وهو فى غار حراء ، فجاءه الملك ، فقال : اقرأ . قال : ما أنا بقارئ ...
قال : فأخذنى ، فغطنى حتى بلغ منى الجهد ، ثم أرسلنى ، فقال : اقرأ . قلت : ما أنا بقارئ . فأخذنى ، فغطنى الثانية حتى بلغ منى الجهد ، ثم أرسلنى فقال : اقرأ . فقلت : ما أنا بقارئ . فأخذنى فغطنى الثالثة . ثم أرسلنى فقال : 《 اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِى خَلَقَ ⊙ خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ ⊙ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ ⊙ الَّذى عِلَّمَ بِالْقَلَمِ ⊙ عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ ⊙ 》 ( العلق : ١-٥ ) .
فرجع بها رسول الله صلى الله عليه وسلم يرجف فؤاده ، فدخل على خديجة بنت خويلد- رضي الله عنها- فقال : زملونى ، زملونى ، فزملوه حتى ذهب عنه الروع ، فقال لخديجة - و أخبرها الخبر - : لقد خشيت على نفسى . فقالت خديجة : كلا ، والله ما يخزيك الله أبداً . إنك لتصل الرحم ، وتحمل الكل ، و تكسب المعدوم ، وتقرى الضيف ، وتعين على نوائب الحق .
فانطلقت به خديجة حتى أتت ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزى ، ابن عم خديجة ، وكان امرأ تنصر فى الجاهلية ، وكان يكتب الكتاب العبرانى ، فيكتب من الإنجيل بالعبرانية ما شاء الله أن يكتب وكان شيخاً قد عمى .
فقالت خديجة : يا ابن عم اسمع من ابن أخيك .
فقال له ورقة : يا ابن أخى ماذا ترى ؟
فأخبره صلى الله عليه وسلم خبر ما رأى .
فقال له ورقة : هذا الناموس الذى نزله الله على موسى . يا ليتنى فيها جذعاً - أى قوياً جلداً - ليتنى أكون حياً إذ يخرجك قومك .
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أو مخرجى هم ؟
قال : نعم ، لم يأت رجل قط بمثل ما جئت به إلا عودى ، وإن يدركنى يومك أنصرك نصراً مؤزراً .
ثم لم يلبث ورقة أن توفى ، وفتر الوحى .
■ تاريخ بدء النبوة ونزول الوحى :-
تلك هى قصة بداية النبوة و نزول الوحى على النبى صلى الله عليه وسلم لأول مرة ، وقد كان ذلك فى رمضان فى ليلة القدر ، قال الله تعالى : 《 شهر رمضان الذى أُنزل فيه القرآن 》 و قال : 《 إنا أنزلناه فى ليلة القدر ⊙ 》 و قد أفادت الأحاديث الصحيحة أن ذلك كان ليلة الاثنين قبل أن يطلع الفجر ،
وحيث إن ليلة القدر تقع فى وتر من ليالى العشر الأواخر من رمضان ، وقد ثبت علمياً أن يوم الاثنين فى رمضان من تلك السنة إنما وقع فى اليوم الحادى و العشرين من رمضان سنة إحدى و أربعين من مولده صلى الله عليه وسلم وهى توافق اليوم العاشر من شهر أغسطس سنة ٦١٠ م و كان عمره صلى الله عليه وسلم إذ ذاك أربعين سنة قمرية و ستة أشهر و اثنى عشر يوماً . وهو يساوى تسعاً و ثلاثين سنة شمسية وثلاثة أشهر واثنين وعشرين يوماً . فكانت بعثته على رأس أربعين سنة شمسية .
■ فترة الوحى ثم عودته :-
وكان الوحى قد فتر و انقطع بعد أول نزوله فى غار حراء - كما سبق - ودام هذا الانقطاع أياماً وقد أعقب ذلك فى النبى صلى الله عليه وسلم شدة الكآبة و الحزن ، ولكن المصلحة كانت فى هذا الانقطاع ، فقد ذهب عنه الروع ، و تثبت من أمره ، وتهيأ لاحتمال مثل ما سبق حين يعود ، وحصل له التشوف و الانتظار ، وأخذ يرتقب مجئ الوحى مرة أخرى .
وكان صلى الله عليه وسلم قد عاد من عند ورقة بن نوفل إلى حراء ليواصل جواره فى غاره ، ويكمل ما تبقى من شهر رمضان ، فلما انتهى شهر رمضان وتم جواره نزل من حراء صبيحة غرة شوال ليعود إلى مكة حسب عادته .
قال صلى الله عليه وسلم: فلما استبطنت الوادى - أى دخلت فى بطنه - نوديت ، فنظرت عن يمينى فلم أر شيئاً ، ونظرت عن شمالى فلم أر شيئاً ، ونظرت أمامى فلم أر شيئاً ، ونظرت خلفى فلم أر شيئاً ، فرفعت رأسى فرأيت شيئاً ، فإذا الملك الذى جاءنى بحراء جالس على كرسى بين السماء و الأرض ، فجئثت منه رعباً حتى هويت إلى الأرض ، فأتيت خديجة ، فقلت : زملونى ، زملونى ، دثرونى ، وصُبوا على ماء بارداً ، فدثرونى وصبوا علىّ ماءً بارداً فنزلت 《 يآ أيها المدثر ⊙ قم فأنذر ⊙ وربك فكبر ⊙ و ثيابك فطهر ⊙ و الرجز فاهجر ⊙ 》( المدثر : ١-٥ ) .
وذلك قبل أن تفرض الصلاة ثم حمى الوحى وتتابع .
وهذه الآيات هى بدء رسالته صلى الله عليه وسلم وهى متأخرة عن البوة بمقدار فترة الوحى ، وتشتمل على نوعين من التكليف مع بيان ما يترتب عليه :
أما النوع الأول فهو تكليفه صلى الله عليه وسلم بالبلاغ و التحذير ، وذلك فى قوله تعالى : 《 قم فأنذر 》 .فإن معناه : حذر الناس من عذاب الله إن لم يرجعوا عما هم فيه من الغى والضلال ، وعبادة غير الله المتعال ، والإشراك به فى الذات و الصفات و الحقوق و الأفعال .
و أما النوع الثانى فتكليفه صلى الله عليه وسلم بتطبيق أوامر الله سبحانه وتعالى و الإلتزام بها فى نفسه ، ليحرز بذلك مرضاة الله ، ويصير أسوة لمن آمن بالله . وذلك فى بقية الآيات ، فقوله : 《 وربك فكبر 》 . معناه : خصه بالتعظيم ، ولا تشرك به فى ذلك أحاً غيره ، وقوله : 《 وثيابك فطهر 》 . المقصود الظاهر منه تطهير الثياب و الجسد ، إذ ليس لمن يكبر الله و يقف بين يديه أن يكون نجساً مستقذراً ، وقوله : 《 و الرجز فاهجر 》 .معناه : ابتعد عن أسباب سخط الله وعذابه ، وذلك بطاعته وترك معصيته ، وقوله تعالى : 《 ولا تمنُن تستكثر 》 . أى لا تحسن إحساناً تريد أفضل منه فى هذه الدنيا .
أما الآيه الأخيرة فأشار فيها إلى ما يلحقه من أذى قومه ، حين يفارقهم فى الدين ، ويقوم بدعوتهم إلى الله وحده ، فقال : 《 ولربك فاصبر 》 .
■ القيام بالدعوة :-
وقام رسول الله صلى الله عليه وسلم على أثر نزول هذه الآيات بالدعوة إلى الله سبحانه وتعالى وحيث إن قومه كانوا جفاة لا دين لهم إلا عبادة الأصنام و الأوثان ، ولا حجة لهم إلا أنهم ألفوا أباءهم على ذلك ، ولا أخلاق لهم إلا الأخذ بالعزة و الأنفة ، ولا سبيل لهم فى حل المشاكل إلا السيف ، فقد اختار الله له أن يقوم بالدعوة سراً ، ولا يواجه بها إلا من يعرفه بالخير وحب الحق ، ويثق به و يطمئن إليه ، وأن يقدم أهله وعشيرته و أصدقاءه وندماءه على غيرهم .
و بما تقدم ذكره اتسعت الشقة الفكرية و العلمية بين النبى صلى الله عليه وسلم و بين قومه ، وطفق يقلق مما يراهم عليه من الشقاوة و الفساد ، ويرغب فى الإعتزال عنهم و الخلوة بنفسه مع تفكيره فى سبيل ينجيهم من التعاسة و البوار.
و اشتد هذا اقلق ، وقويت هذه الرغبة مع تقدم السن حتى كأن حادياً يحدوه إلى الخلوة و الانقطاع ، فأخذ يخلو بغار حراء ، يتعبد لله فيه على بقايا دين إبراهيم عليه السلام وذلك من كل سنة شهراً . وهو شهر رمضان ، فإذا قضى جواره بتمام هذا الشهر انصرف إلى مكة صباحاً ، فيطوف بالبيت ، ثم يعود إلى داره ، وقد تكرر ذلك منه صلى الله عليه وسلم ثلاث سنوات .
فلما تكامل له أربعون سنة - وهى سن الكمال ، ولها بعثت الرسل غالباً - بدأت طلائع النبوة و تباشير السعادة فى الظهور ، فكان يرى رؤيا صالحة تقع كما يرى ، وكان يرى الضوء و يسمع الصوت وقال : 《 إنى لأعرف حجراً بمكة كان يسلم على قبل أن أبعث 》 .
■ بداية النبوة و نزول الوحى :-
فلما كان فى رمضان من السنة الحادية و الأربعين وهو معتكف بغار حراء ، يذكر الله و يعبده ، فجأه جبريل عليه السلام بالنبوة والوحى ، و لنستمع إلى عائشة رضي الله عنها تروى لنا هذه القصة بتفاصيلها ، قالت عائشة رضي الله عنها: -
☆ أول ما بُدئ به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحى الرؤيا الصالحة فى النوم ، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح ، ثم حبب إليه الخلاء ، وكان يخلو بغار حراء فيتحنث - أى يتعبد - فيه الليالي ذواة العدد قبل أن ينزع إلى أهله ، ويتزود لذلك ، ثم يرجع إلى خديجة ، فيتزود لمثلها حتى جاءه الحق وهو فى غار حراء ، فجاءه الملك ، فقال : اقرأ . قال : ما أنا بقارئ ...
قال : فأخذنى ، فغطنى حتى بلغ منى الجهد ، ثم أرسلنى ، فقال : اقرأ . قلت : ما أنا بقارئ . فأخذنى ، فغطنى الثانية حتى بلغ منى الجهد ، ثم أرسلنى فقال : اقرأ . فقلت : ما أنا بقارئ . فأخذنى فغطنى الثالثة . ثم أرسلنى فقال : 《 اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِى خَلَقَ ⊙ خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ ⊙ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ ⊙ الَّذى عِلَّمَ بِالْقَلَمِ ⊙ عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ ⊙ 》 ( العلق : ١-٥ ) .
فرجع بها رسول الله صلى الله عليه وسلم يرجف فؤاده ، فدخل على خديجة بنت خويلد- رضي الله عنها- فقال : زملونى ، زملونى ، فزملوه حتى ذهب عنه الروع ، فقال لخديجة - و أخبرها الخبر - : لقد خشيت على نفسى . فقالت خديجة : كلا ، والله ما يخزيك الله أبداً . إنك لتصل الرحم ، وتحمل الكل ، و تكسب المعدوم ، وتقرى الضيف ، وتعين على نوائب الحق .
فانطلقت به خديجة حتى أتت ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزى ، ابن عم خديجة ، وكان امرأ تنصر فى الجاهلية ، وكان يكتب الكتاب العبرانى ، فيكتب من الإنجيل بالعبرانية ما شاء الله أن يكتب وكان شيخاً قد عمى .
فقالت خديجة : يا ابن عم اسمع من ابن أخيك .
فقال له ورقة : يا ابن أخى ماذا ترى ؟
فأخبره صلى الله عليه وسلم خبر ما رأى .
فقال له ورقة : هذا الناموس الذى نزله الله على موسى . يا ليتنى فيها جذعاً - أى قوياً جلداً - ليتنى أكون حياً إذ يخرجك قومك .
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أو مخرجى هم ؟
قال : نعم ، لم يأت رجل قط بمثل ما جئت به إلا عودى ، وإن يدركنى يومك أنصرك نصراً مؤزراً .
ثم لم يلبث ورقة أن توفى ، وفتر الوحى .
■ تاريخ بدء النبوة ونزول الوحى :-
تلك هى قصة بداية النبوة و نزول الوحى على النبى صلى الله عليه وسلم لأول مرة ، وقد كان ذلك فى رمضان فى ليلة القدر ، قال الله تعالى : 《 شهر رمضان الذى أُنزل فيه القرآن 》 و قال : 《 إنا أنزلناه فى ليلة القدر ⊙ 》 و قد أفادت الأحاديث الصحيحة أن ذلك كان ليلة الاثنين قبل أن يطلع الفجر ،
وحيث إن ليلة القدر تقع فى وتر من ليالى العشر الأواخر من رمضان ، وقد ثبت علمياً أن يوم الاثنين فى رمضان من تلك السنة إنما وقع فى اليوم الحادى و العشرين من رمضان سنة إحدى و أربعين من مولده صلى الله عليه وسلم وهى توافق اليوم العاشر من شهر أغسطس سنة ٦١٠ م و كان عمره صلى الله عليه وسلم إذ ذاك أربعين سنة قمرية و ستة أشهر و اثنى عشر يوماً . وهو يساوى تسعاً و ثلاثين سنة شمسية وثلاثة أشهر واثنين وعشرين يوماً . فكانت بعثته على رأس أربعين سنة شمسية .
■ فترة الوحى ثم عودته :-
وكان الوحى قد فتر و انقطع بعد أول نزوله فى غار حراء - كما سبق - ودام هذا الانقطاع أياماً وقد أعقب ذلك فى النبى صلى الله عليه وسلم شدة الكآبة و الحزن ، ولكن المصلحة كانت فى هذا الانقطاع ، فقد ذهب عنه الروع ، و تثبت من أمره ، وتهيأ لاحتمال مثل ما سبق حين يعود ، وحصل له التشوف و الانتظار ، وأخذ يرتقب مجئ الوحى مرة أخرى .
وكان صلى الله عليه وسلم قد عاد من عند ورقة بن نوفل إلى حراء ليواصل جواره فى غاره ، ويكمل ما تبقى من شهر رمضان ، فلما انتهى شهر رمضان وتم جواره نزل من حراء صبيحة غرة شوال ليعود إلى مكة حسب عادته .
قال صلى الله عليه وسلم: فلما استبطنت الوادى - أى دخلت فى بطنه - نوديت ، فنظرت عن يمينى فلم أر شيئاً ، ونظرت عن شمالى فلم أر شيئاً ، ونظرت أمامى فلم أر شيئاً ، ونظرت خلفى فلم أر شيئاً ، فرفعت رأسى فرأيت شيئاً ، فإذا الملك الذى جاءنى بحراء جالس على كرسى بين السماء و الأرض ، فجئثت منه رعباً حتى هويت إلى الأرض ، فأتيت خديجة ، فقلت : زملونى ، زملونى ، دثرونى ، وصُبوا على ماء بارداً ، فدثرونى وصبوا علىّ ماءً بارداً فنزلت 《 يآ أيها المدثر ⊙ قم فأنذر ⊙ وربك فكبر ⊙ و ثيابك فطهر ⊙ و الرجز فاهجر ⊙ 》( المدثر : ١-٥ ) .
وذلك قبل أن تفرض الصلاة ثم حمى الوحى وتتابع .
وهذه الآيات هى بدء رسالته صلى الله عليه وسلم وهى متأخرة عن البوة بمقدار فترة الوحى ، وتشتمل على نوعين من التكليف مع بيان ما يترتب عليه :
أما النوع الأول فهو تكليفه صلى الله عليه وسلم بالبلاغ و التحذير ، وذلك فى قوله تعالى : 《 قم فأنذر 》 .فإن معناه : حذر الناس من عذاب الله إن لم يرجعوا عما هم فيه من الغى والضلال ، وعبادة غير الله المتعال ، والإشراك به فى الذات و الصفات و الحقوق و الأفعال .
و أما النوع الثانى فتكليفه صلى الله عليه وسلم بتطبيق أوامر الله سبحانه وتعالى و الإلتزام بها فى نفسه ، ليحرز بذلك مرضاة الله ، ويصير أسوة لمن آمن بالله . وذلك فى بقية الآيات ، فقوله : 《 وربك فكبر 》 . معناه : خصه بالتعظيم ، ولا تشرك به فى ذلك أحاً غيره ، وقوله : 《 وثيابك فطهر 》 . المقصود الظاهر منه تطهير الثياب و الجسد ، إذ ليس لمن يكبر الله و يقف بين يديه أن يكون نجساً مستقذراً ، وقوله : 《 و الرجز فاهجر 》 .معناه : ابتعد عن أسباب سخط الله وعذابه ، وذلك بطاعته وترك معصيته ، وقوله تعالى : 《 ولا تمنُن تستكثر 》 . أى لا تحسن إحساناً تريد أفضل منه فى هذه الدنيا .
أما الآيه الأخيرة فأشار فيها إلى ما يلحقه من أذى قومه ، حين يفارقهم فى الدين ، ويقوم بدعوتهم إلى الله وحده ، فقال : 《 ولربك فاصبر 》 .
■ القيام بالدعوة :-
وقام رسول الله صلى الله عليه وسلم على أثر نزول هذه الآيات بالدعوة إلى الله سبحانه وتعالى وحيث إن قومه كانوا جفاة لا دين لهم إلا عبادة الأصنام و الأوثان ، ولا حجة لهم إلا أنهم ألفوا أباءهم على ذلك ، ولا أخلاق لهم إلا الأخذ بالعزة و الأنفة ، ولا سبيل لهم فى حل المشاكل إلا السيف ، فقد اختار الله له أن يقوم بالدعوة سراً ، ولا يواجه بها إلا من يعرفه بالخير وحب الحق ، ويثق به و يطمئن إليه ، وأن يقدم أهله وعشيرته و أصدقاءه وندماءه على غيرهم .
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى